سورة الليل - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الليل)


        


{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2)}
اعلم أنه تعالى أقسم بالليل الذي يأوي فيه كل حيوان إلى مأواه ويسكن الخلق عن الاضطراب ويغشاهم النوم الذي جعله الله راحة لأبدانهم وغذاء لأرواحهم، ثم أقسم بالنهار إذا تجلى، لأن النهار إذا جاء انكشف بضوئه ما كان في الدنيا من الظلمة، وجاء الوقت الذي يتحرك فيه الناس لمعاشهم وتتحرك الطير من أوكارها والهوام من مكامنها، فلو كان الدهر كله ليلاً لتعذر المعاش ولو كان كله نهاراً لبطلت الراحة، لكن المصلحة كانت في تعاقبهما على ما قال سبحانه: {وَهُوَ الذي جَعَلَ اليل والنهار خِلْفَةً} [الفرقان: 62]، {وسخر لكم الليل والنهار} [إبراهيم: 33] أما قوله: {واليل إِذَا يغشى} فاعلم أنه تعالى لم يذكر مفعول يغشى، فهو إما الشمس من قوله: {واليل إِذَا يغشاها} [الشمس: 4] وإما النهار من قوله: {يغشى الليل والنهار} [الرعد: 3] وإما كل شيء يواريه بظلامه من قوله: {إِذْا وَقَبَ} [الفلق: 3] وقوله: {والنهار إِذَا تجلى} أي ظهر بزوال ظلمة الليل، أو ظهر وانكشف بطلوع الشمس.


{وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3)}
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في تفسيره وجوه:
أحدها: أي والقادر العظيم القدرة الذي قدر على خلق الذكر والأنثى من ماء واحد، وقيل: هما آدم وحواء.
وثانيها: أي وخلقه الذكر والأنثى.
وثالثها: ما بمعنى من أي ومن خلق الذكر والأنثى، أي والذي خلق الذكر والأنثى.
المسألة الثانية: قرأ النبي صلى الله عليه وسلم {والذكر والأنثى} وقرأ ابن مسعود: (والذي خلق الذكر والأنثى) وعن الكسائي: {وَمَا خَلَقَ الذكر والأنثى} بالجر، ووجهه أن يكون معنى: {وَمَا خَلَقَ} أي وما خلقه الله تعالى، أي مخلوق الله، ثم يجعل الذكر والأنثى بدلاً منه، أي ومخلوق الله الذكر والأنثى، وجاز إضمار اسم الله لأنه معلوم أنه لا خالق إلا هو.
المسألة الثالثة: القسم بالذكر والأنثى يتناول القسم بجميع ذوي الأرواح الذين هم أشرف المخلوقات، لأن كل حيوان فهو إما ذكر أو أنثى والخنثى فهو في نفسه لابد وأن يكون إما ذكراً أو أنثى، بدليل أنه لو حلف بالطلاق، أنه لم يلق في هذا اليوم لا ذكراً ولا أنثى، وكان قد لقى خنثى فإنه يخنث في يمينه.


{إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)}
هذا الجواب القسم، فأقسم تعالى بهذه الأشياء، أن أعمال عباده لشتى أي مختلفة في الجزاء وشتى جمع شتيت مثل مرضى ومريض، وإنما قيل للمختلف: شتى، لتباعد ما بين بعضه وبعضه، والشتات هو التباعد والافتراق، فكأنه قيل: إن عملكم لمتباعد بعضه من بعض، لأن بعضه ضلال وبعضه هدى، وبعضه يوجب الجنان، وبعضه يوجب النيران، فشتان ما بينهما، ويقرب من هذه الآية قوله: {لاَ يَسْتَوِى أصحاب النار وأصحاب الجنة} [الحشر: 20] وقوله: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يستوون} [السجدة: 18] وقوله: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون} [الجاثية: 21] وقال: {وَلاَ الظل ولا الحرور} [فاطر: 21] قال المفسرون: نزلت هذه الآية في أبي بكر وأبي سفيان. ثم إنه سبحانه بين معنى اختلاف الأعمال فيما قلناه من العاقبة المحمودة والمذمومة والثواب والعقاب.

1 | 2 | 3 | 4